يظن البعض أن «الساسة» (Politicians) هم أكثر البشر كذبا وسوء سلوك وفسادا. ذلك اعتقاد خاطئ جدا، وليس له أساس من الصحة. إضافة إلى تجاهله طبيعة السلوك الإنساني، وحقيقة الممارسة السياسية. إن ممارسة السياسة هي، في الواقع، سلوك إنساني (Human Behavior) ينطبق عليه كل ما ينطبق على أي سلوك إنساني، سواء كان اجتماعيا أو اقتصاديا، أو من أي نوع. لذلك، فإن السلوك السياسي (بكل أبعاده وجوانبه) فيه الخير وفيه الشر، وفيه الصدق وفيه الكذب.. إلخ. فالسياسة تعني -ضمن ما تعني- «الإدارة العليا للبلاد، أي بلاد». وهذه «الإدارة» مكونة من أشخاص (ساسة/ صناع قرار) يمكن أن يحسنوا ويسيئوا، يصيبوا ويخطئوا، يبنوا ويدمروا.. إلخ.؛ بمعنى آخر: أنهم يمكن أن يكونوا خيرين، أو شريرين، ويمكن أن يكون سلوكهم (حالهم حال بقية البشر) إيجابيا، أو سلبيا، بالنسبة للأغلبية المعنية.
كل البشر سياسيون، إذا أخذنا بالتعريف الموسع لـ«السياسة». وكل إنسان على وجه هذه الأرض يحسن ويسيء، يصيب ويخطئ، يبني ويهدم... ذلك هو الإنسان، أينما كان، وحيثما كان، وفي كل زمان. سلوك هذا الإنسان، سواء كان «سياسيا» أو غيره، هو -في نهاية الأمر- سلوك إنساني، فيه وفيه. إن سلمنا بذلك، يصبح «تجريم» السياسيين، ووصمهم بالكذب والفساد، على الإطلاق، وأكثر من غيرهم، هو من قبيل التجني، أو الخطأ الشائع، طريف المضمون، سلبي التبعات والنتائج. وفيه استخفاف لا يليق بالسياسة وشجب حصري خاطئ لها، رغم كون «السياسة» أهم عامل في الحياة العامة وتسيير الشأن العام. السياسة تبني وتهدم... لا يوجد بناء، ولا تدمير بدونها. التحدي هو أن «تسخر» السياسة للبناء، وتجنب الهدم، ويرغم الساسة على السلوك السليم. ****
وبما أن «السياسي» (صانع القرار السياسي، أو المساهم في صنعه) هو إنسان أصلا، ويقوم بأداء وظيفته، ويعمل أموراً تهم غالبية الناس، وتؤثر على وفي الآلاف منهم، فإن ما يقوم به ويصدر عنه من قرارات وسياسات، يكون غالبا تحت «مجهر» الناس المعنيين، وغير المعنيين... فيرون منه ومن أعماله ما لا يرونه من غيره من فئات البشر. فيضخمون أقواله وأفعاله، لدرجة المبالغة أحيانا. ويحصرون الكذب وسوء السلوك المدمر فيه. والسياسي إن كانت سلطته مطلقة، وإن كان لا يخضع لأي رقابة أو محاسبة، فإنه غالبا (مثله مثل أي إنسان آخر) ما «يستبد» بالأمر... ويفعل ما يشاء، طالما أمن المساءلة وأمن العقاب. السلطة المطلقة هي بالفعل مفسدة مطلقة. لذلك، فإن معظم سياسات المستبدين تكون -في غياب الوازع- سلبية وفاسدة ومدمرة، وربما قاهرة وبشعة أيضا.
يدعي «السياسي» دائما أنه بقيامه بعمله إنما يخدم «المصلحة العامة»... فما هي هذه «المصلحة العامة» (Public Interest)...؟! تعرف بأنها: فائدة ومصلحة وتطلع ورغبات غالبية المعنيين، أو غالبية الشعب المعني؛ أي ما تريده وتأمله هذه الأغلبية، وما يحقق سعادتها وازدهارها. فالهدف الرئيس من كل الحياة هو تحقيق السعادة (في الدارين). وكذلك يجب أن يكون هدف أي نظام سياسي، وهدف «السياسي» الذي هو جزء من النظام. فمهمة أي نظام سياسي الأساسية هي -في واقع الأمر- تحقيق السعادة العامة لغالبية شعبه، مع عدم الإضرار بالأقليات. أو تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة، لأكبر عدد ممكن من الناس المعنيين.
****
ذلك أكد الحاجة الملحة والضرورة الأساسية، المتمثلة في وجوب دفع السياسي -أي سياسي- لخدمة المصلحة العامة، دون سواها. فالإنسان (السياسي) ميال بطبعه لخدمة مصالحه الخاصة، إن لم يجد ما يردعه، ويجبره على خدمة المصلحة العامة أولاً، وقبل كل شيء. ومن هنا، ظهرت الحاجة الإنسانية الكبرى لأنظمة سياسية تحقق للبشر هذه الغاية... أي إلزام صناع القرار السياسي لخدمة المصلحة العامة أولاً، وقبل أي شيء. وهذا يعني وضع «قيود» و«ضوابط» على صناع القرار، لضمان خدمتهم للصالح العام، وتكريس فكرهم وجهدهم ووقتهم لتحقيق هذا الهدف النبيل. والنظم الاستبدادية تنعدم فيها هذه الضوابط، وتطلق يد السياسي ليفعل ما يشاء، دون أي مساءلة أو محاسبة. ولا يستغرب، بعد ذلك، أن يرى ذلك السياسي مستبدا بالأمر، ميالا لعمل ما يخدم مصلحته هو أولاً، وربما أخيرا. وغالبا ما تكون سياساته وقراراته، في هذه الحالة، أقرب إلى السلبية منها للإيجابية، والإضرار أكثر من النفع.
ومعروف أن أغلب الناس يتوقون (كما يقول علم النفس السياسي) للتسلط، ويسعون -بشكل أو آخر- لكسب السلطة بأنواعها. والإنسان -أي إنسان- عندما يتولى سلطة ما، فإنه غالبا ما يعض عليها بالنواجذ، ويتمنى البقاء فيها لأطول فترة ممكنة، وعدم مغادرتها، إلا لسلطة أعلى أو أفضل. وإن لم يحدد النظام السياسي فترة بقاء الساسة في السلطة، ومدة ولايتهم، فإن أغلب أولئك الساسة سيحاولون البقاء بالسلطة لما لا نهاية. تلك طبيعة بشرية بحتة.
وما ذكرناه هنا يعطي لمحة سريعة عن الأهمية القصوى لـ«النظام السياسي» في حياة البشر، وضرورة أن يكون ذلك النظام صالحا، أو محققا بالفعل للمصلحة والسعادة العامة، بما فيه من الضوابط اللازمة. فالنظام السياسي إن صلح، صلحت كل أمور المجتمع العامة، وإن فسد، يعم الفساد كل مجالات الحياة، وتنقلب السعادة المأمولة، إلى تعاسة وربما بؤس.
* كاتب سعودي
كل البشر سياسيون، إذا أخذنا بالتعريف الموسع لـ«السياسة». وكل إنسان على وجه هذه الأرض يحسن ويسيء، يصيب ويخطئ، يبني ويهدم... ذلك هو الإنسان، أينما كان، وحيثما كان، وفي كل زمان. سلوك هذا الإنسان، سواء كان «سياسيا» أو غيره، هو -في نهاية الأمر- سلوك إنساني، فيه وفيه. إن سلمنا بذلك، يصبح «تجريم» السياسيين، ووصمهم بالكذب والفساد، على الإطلاق، وأكثر من غيرهم، هو من قبيل التجني، أو الخطأ الشائع، طريف المضمون، سلبي التبعات والنتائج. وفيه استخفاف لا يليق بالسياسة وشجب حصري خاطئ لها، رغم كون «السياسة» أهم عامل في الحياة العامة وتسيير الشأن العام. السياسة تبني وتهدم... لا يوجد بناء، ولا تدمير بدونها. التحدي هو أن «تسخر» السياسة للبناء، وتجنب الهدم، ويرغم الساسة على السلوك السليم. ****
وبما أن «السياسي» (صانع القرار السياسي، أو المساهم في صنعه) هو إنسان أصلا، ويقوم بأداء وظيفته، ويعمل أموراً تهم غالبية الناس، وتؤثر على وفي الآلاف منهم، فإن ما يقوم به ويصدر عنه من قرارات وسياسات، يكون غالبا تحت «مجهر» الناس المعنيين، وغير المعنيين... فيرون منه ومن أعماله ما لا يرونه من غيره من فئات البشر. فيضخمون أقواله وأفعاله، لدرجة المبالغة أحيانا. ويحصرون الكذب وسوء السلوك المدمر فيه. والسياسي إن كانت سلطته مطلقة، وإن كان لا يخضع لأي رقابة أو محاسبة، فإنه غالبا (مثله مثل أي إنسان آخر) ما «يستبد» بالأمر... ويفعل ما يشاء، طالما أمن المساءلة وأمن العقاب. السلطة المطلقة هي بالفعل مفسدة مطلقة. لذلك، فإن معظم سياسات المستبدين تكون -في غياب الوازع- سلبية وفاسدة ومدمرة، وربما قاهرة وبشعة أيضا.
يدعي «السياسي» دائما أنه بقيامه بعمله إنما يخدم «المصلحة العامة»... فما هي هذه «المصلحة العامة» (Public Interest)...؟! تعرف بأنها: فائدة ومصلحة وتطلع ورغبات غالبية المعنيين، أو غالبية الشعب المعني؛ أي ما تريده وتأمله هذه الأغلبية، وما يحقق سعادتها وازدهارها. فالهدف الرئيس من كل الحياة هو تحقيق السعادة (في الدارين). وكذلك يجب أن يكون هدف أي نظام سياسي، وهدف «السياسي» الذي هو جزء من النظام. فمهمة أي نظام سياسي الأساسية هي -في واقع الأمر- تحقيق السعادة العامة لغالبية شعبه، مع عدم الإضرار بالأقليات. أو تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة، لأكبر عدد ممكن من الناس المعنيين.
****
ذلك أكد الحاجة الملحة والضرورة الأساسية، المتمثلة في وجوب دفع السياسي -أي سياسي- لخدمة المصلحة العامة، دون سواها. فالإنسان (السياسي) ميال بطبعه لخدمة مصالحه الخاصة، إن لم يجد ما يردعه، ويجبره على خدمة المصلحة العامة أولاً، وقبل كل شيء. ومن هنا، ظهرت الحاجة الإنسانية الكبرى لأنظمة سياسية تحقق للبشر هذه الغاية... أي إلزام صناع القرار السياسي لخدمة المصلحة العامة أولاً، وقبل أي شيء. وهذا يعني وضع «قيود» و«ضوابط» على صناع القرار، لضمان خدمتهم للصالح العام، وتكريس فكرهم وجهدهم ووقتهم لتحقيق هذا الهدف النبيل. والنظم الاستبدادية تنعدم فيها هذه الضوابط، وتطلق يد السياسي ليفعل ما يشاء، دون أي مساءلة أو محاسبة. ولا يستغرب، بعد ذلك، أن يرى ذلك السياسي مستبدا بالأمر، ميالا لعمل ما يخدم مصلحته هو أولاً، وربما أخيرا. وغالبا ما تكون سياساته وقراراته، في هذه الحالة، أقرب إلى السلبية منها للإيجابية، والإضرار أكثر من النفع.
ومعروف أن أغلب الناس يتوقون (كما يقول علم النفس السياسي) للتسلط، ويسعون -بشكل أو آخر- لكسب السلطة بأنواعها. والإنسان -أي إنسان- عندما يتولى سلطة ما، فإنه غالبا ما يعض عليها بالنواجذ، ويتمنى البقاء فيها لأطول فترة ممكنة، وعدم مغادرتها، إلا لسلطة أعلى أو أفضل. وإن لم يحدد النظام السياسي فترة بقاء الساسة في السلطة، ومدة ولايتهم، فإن أغلب أولئك الساسة سيحاولون البقاء بالسلطة لما لا نهاية. تلك طبيعة بشرية بحتة.
وما ذكرناه هنا يعطي لمحة سريعة عن الأهمية القصوى لـ«النظام السياسي» في حياة البشر، وضرورة أن يكون ذلك النظام صالحا، أو محققا بالفعل للمصلحة والسعادة العامة، بما فيه من الضوابط اللازمة. فالنظام السياسي إن صلح، صلحت كل أمور المجتمع العامة، وإن فسد، يعم الفساد كل مجالات الحياة، وتنقلب السعادة المأمولة، إلى تعاسة وربما بؤس.
* كاتب سعودي